بين الواجب والظروف: كيف يواصل المعلمون أداء رسالتهم؟
مقدمة
هل يمكن أن يستمر التعليم في ظل غياب
الرواتب، وتراكم الضغوط، وصعوبة الأوضاع الاقتصادية؟ وهل يستطيع المعلم أن يحافظ
على دوره كمنارة للعلم وسط هذه التحديات؟
في فلسطين، نجد الإجابة واضحة: نعم، فالمعلمون يواصلون أداء رسالتهم بإصرار استثنائي، متحدّين الظروف، ومتمسكين بواجبهم
تجاه الأجيال القادمة. هذه ليست مجرد مهنة، بل رسالة مقدسة تتجاوز حدود الماديات
لتصبح فعل مقاومة وصمود في وجه الأزمات.
المعلم
الفلسطيني… جندي على جبهتين
المعلم ليس مجرد ناقل للمعلومة، بل هو
حارس للوعي وحامٍ للهوية. في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، يواجه المعلم
الفلسطيني جبهتين:
- الجبهة
الأولى:
مواجهة ضغوط الحياة اليومية، من
غياب الرواتب وارتفاع الأسعار إلى متطلبات أسرته.
- الجبهة
الثانية:
الإصرار على الوقوف أمام طلابه
بابتسامة، وزرع الأمل في قلوبهم رغم كل ما يشعر به من ضيق داخلي.
ومع هذا الثقل الكبير، يبرز السؤال: لماذا يصرّ المعلمون على الاستمرار رغم كل شيء؟ هنا يظهر البعد الأعمق، أن التعليم
بالنسبة لهم ليس مجرد وظيفة، بل رسالة لا تسقط مهما اشتدت الظروف.
التعليم
رسالة لا تسقط بالظروف
رغم أن التعليم في العالم غالباً ما
يُعامل كمهنة، إلا أنه في فلسطين يتحول إلى رسالة وطنية وإنسانية. فالمعلم
يعلم أن غيابه عن الصف قد يترك فراغاً لا يعوضه شيء، وأن استمراره في العطاء يعني
استمرار مسيرة الوعي والمعرفة.
حتى في الدوام المخفف أو غير المنتظم،
يسعى المعلمون إلى التركيز على الأساسيات، وتكييف طرق التدريس مع قلة الإمكانيات،
وإيجاد حلول إبداعية لتعويض النقص.
لكن كيف ينعكس هذا الإصرار على الطلاب
أنفسهم؟ وكيف يتعاملون مع عام دراسي يبدأ بغير انتظام؟
كيف يتعامل
الطلاب مع بداية غير منتظمة؟
الطلاب بدورهم يتأثرون بعدم انتظام
العام الدراسي. وهنا يظهر دور المعلم الواعي الذي يحول الأزمة إلى فرصة للتربية
على الصبر والتكيف.
فهو يعلّمهم أن الظروف الطارئة لا
تعني التوقف عن التعلم، وأن مواجهة الصعوبات جزء من بناء الشخصية القوية.
ومن هنا يصبح الصف الدراسي مساحة
للتدريب على مهارات الحياة، لا مجرد مكان لتلقّي المعلومات. لكن هذه
العملية لا تكتمل من دون دعم الأهل والمجتمع، فالمعلم بحاجة إلى شراكة حقيقية تسند
جهوده وتخفف من الأعباء.
دعم الأهل والمجتمع… شراكة لا بد منها
المعلم وحده لا يستطيع مواجهة العبء
الكامل، وهنا يبرز دور الأهل والمجتمع المحلي في حمل جزء من المسؤولية. فالأهل
يعززون قيمة التعليم في البيت، والمجتمع يبتكر مبادرات لدعم المدارس، والمؤسسات
الأهلية توفر بدائل أو برامج تقوية.
بهذا يصبح التعليم مشروعاً وطنياً
تتكاتف فيه الأيادي. ولكن، ماذا يفعل المعلم نفسه حين تكون الإمكانيات محدودة؟
الجواب يكمن في الإبداع والابتكار الذي يحوّل الأزمة إلى فرصة.
الإبداع في زمن الأزمات… أدوات جديدة للمعلم
عندما تُغلق الأبواب، يفتح الإبداع
نوافذ. المعلمون الفلسطينيون أثبتوا أنهم قادرون على تحويل الصعوبات إلى فرص، سواء
عبر التعليم التعاوني، أو الأنشطة الإبداعية، أو الاستفادة من التقنيات البسيطة
المتاحة.
هذا الإبداع لا ينقذ العام الدراسي
فقط، بل يعلّم الطلاب كيف يصنعون حلولاً في حياتهم اليومية. ومع ذلك، يبقى جانب
آخر لا يقل أهمية: البعد النفسي والإنساني لدور المعلم.
البعد
النفسي والإنساني لدور المعلم
خلف كل معلم يقف في الصف بابتسامة،
توجد ضغوط هائلة وتحديات شخصية. لكن ما يساعده على الاستمرار هو الإحساس العميق
بالرسالة، والدعم المتبادل بين الزملاء، والقناعة بأن أثره في نفوس طلابه هو
المكافأة الحقيقية.
خاتمة:
في النهاية، نكتشف أن المعلم الفلسطيني لا يؤدي دوره بوصفه موظفاً ينتظر راتباً، بل بوصفه رسول علم يحمل على كتفيه هموم وطن وأحلام أجيال. ورغم أن الظروف الاقتصادية قد تثقل كاهله، إلا أن الواجب يظل دافعه الأول، والإرادة تظل وقوده الأساسي.
المعلم الذي يدخل الصف رغم غياب
راتبه، يعلّمنا جميعاً أن العلم قيمة لا يوقفها حصار، ولا يطفئها ظلم، ولا ينال
منها الفقر. هو شمعة تنير طريق طلابه، وشاهدة على
أن الأمل يولد من بين أصعب الظروف.
فلنرفع القبعة لهؤلاء المعلمين، الذين
يثبتون أن التعليم في فلسطين ليس مجرد عملية أكاديمية، بل هو فعل صمود ومقاومة
وبناء لمستقبل مشرق.